نبذة عن جاسم الرصيف
جاسم الرصيف
(مواليد الموصل . العراق ( 1950
روائي عراقي صدرت له الروايات التالية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* 1.الفصيل الثالث / الجزء الأول / 1983
* 2.الفصيل الثالث / الجزء الثاني / 1983
* 3.القعر ، من جزأين في مجلد واحد 1985
* 4.خط أحمر 1987 الطبعة ألأولى2000 الطبعة الثانية
* 5.حجابات الجحيم 1988 الطبعة ألأولى / بغداد ، 2000 الطبعة الثانية
* 6.أبجدية الموت حبّاَ 1990 الطبعة ألأولى / بغداد ، 2000 الطبعة الثانية
7.تراتيل ألوأد 1992 الطبعة ألأولى / بغداد ، 2000 و 2004 الطبعة الثانية والثالثة / نفس الدار
* 8.ثلاثاء ألأحزان السعيدة 2000 الطبعة ألأولى 2004 الطبعة الثانية
* 9.مزاغل الخوف 2004 الطبعة ألأولى / نفس الدار
10.رؤوس الحرية المكيّسة الطبعة ألأولى 2006
** للمؤلف ( 6 ) كتب لم تنشر بعد
الجوائز:
ــــــــــــــــــــ
ـــ جائزة الدولة 1983 عن رواية ( الفصيل الثالث ) بجزأيها .
ـــ جائزة أفضل رواية عراقية 1987 عن رواية ( خط أحمر) .
ـــ جائزة الدولة 1988 عن رواية ( حجابات الجحيم ) .
ـــ جائزة الدولة 1989 عن رواية ( أبجدية الموت حباَ )
ـــ جائزة الدولة 1992 عن رواية ( ترتيل الوأد ) .
ـــ تكريم خاص من( الجمعية الدولية للمترجمين العرب ) لعام 2007 .
* مؤسس ورئيس منظمة كتاب عراقيون من أجل الحرية
http://iraqiwritersforfreedom.blogspot.com
* درست رواياته في الجامعات العراقية كما درّست في جامعتي محمد الخامس والقاضي عياض في المملكة المغربية على يد الأستاذة ( لطيفة حليم ) أستاذة الأدب العربي في هاتين الجامعتين.
* تتناول روايات جاسم الرصيف ألتأريخ الساخن للعراق أثناء الحرب العراقية ألأيرانية ( 1980 ــ1988 ) وحرب العراق الكويت ( 1991) ، وحرب ( 2003 ) من حيث تأثيرهذة الحروب المأساوي على مستويات الحياة الفردية والجماعية للفقراء في العراق وبمعزل عن تأثيرات الشعارات السياسية التي سادت أثناء تلك الحروب ، كما تناولت رواياته الأخيرة مأساة المهاجرين العراقيين .
* اصدر الناقد المغربي عبد الحق ميفراني كتابا ضم دراسة نقدية عن رواياته بعنوان ( شعرية الحرب وعنف المتخيّل .. في أعمال جاسم الرصيف الروائية ) .
* عضو منتخب في المجلس المركزي لإتحاد ألأدباء والكتاب العراقيين لدورتين انتخابيتين 1990ــ1994
* رئيس منتخب لإتحاد الأدباء والكتاب في محافظة نينوى ( الموصل ) 1994.
مدير نادي ( الجمهورية ) الثقافي في محافظة نينوى 1990- 1994*
* يكتب حاليا مقالات عن الوضع في العراق تنشر في العديد من الصحف والمواقع العربية .
مدونته ألألكترونية :
البريد ألألكتروني
2 Comments:
عن رواية أبجدية الموت حبا ... د. جمال حضري
التاريخ: الأثنين 19 يونيو 2006
الموضوع: قراءات
عتبات العنوان وظلال المسارات
يبدأ خطاب رواية (أبجدية الموت حبا) للروائي العراقي جاسم الرصيف، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 2000 بعنوان متعدد المستويات، ففي مستوى التواصل نحن إزاء مرسلة يمكن تفكيكها ليصبح تركيبها هو: كيف تتعلم الموت حبا؟ ومن هنا يبدأ البحث عن باث الرسالة المفترض وعن متلقيها المقصود.
وحين يكون العنوان وظيفيا بهذه الصورة فإنه ينطوي على سر النص ومفتاحه أو على وجهته ومقصده، وهو بالفعل ما يحدث لرواية "أبجدية الموت حبا" التي تصلح أن تكون وثيقة تؤرخ لفصول من الفداء والوفاء للوطن.
لكن ألا يكون العنوان قد جمع ما لا يجمع من خلال تنميته لصورة متضادة الأطراف بأن ألحق الحب بالموت وجعل لهذا الموت سبيلا يتعلم ويتدرج في تحصيل فقهه ودروسه؟
لو كان العنوان: أبجدية الحب حتى الموت، أو أبجدية حب الموت أكان ذلك يلحق بعتبات النص أضرارا تؤثر على مسارات السرد وبرامج شخوصه ومصائرهم؟
ههنا إذا تتطلب القراءة وقفة للتحليل الدلالي والتأويل، لأن العنوان في الرواية المعاصرة لم يعد قبعة إضافية ولا زينة ملحقة بجسم مكتمل قد يستغني عن الزوائد بل إنه يمثل جزءا حيويا من النص إلى درجة تمثيل صلب الدلالة وكأنه دال ومدلوله باقي النص أو بالعكس مدلول يفسر دال النص كله، فإلى أي حد نجد عنوان متننا المدروس قد اجتمعت أوصاله بنصه وفي أي صورة أظهر هذا التواشج والتلاقي؟
شظايا المقومات وكيمياء التركيب
يتضمن العنوان إذا ثلاث وحدات معجمية: أبجدية، الموت، حبا: حين نحلل كلا منها نجد مايلي:
- أبجدية: تطلق على مجموعة الحروف العربية، وهي تتضمن معاني التعليم والبدايات والاستهلال والتدرج والمعلومات الضرورية... إلخ
- الموت: حالة الفناء والنهاية والافتراق والوحدة والغاية ونهاية المقاصد والسعي... إلخ
- الحب: عاطفة إيجابية بالميل نحو الخالق أو الإنسان أو الأشياء أو القيم... إلخ
فما النواة الدلالية المنماة من خلال هذا المثلث المعجمي ذي الأضلاع المتضادة؟ ما الذي جمع مفردة تنطوي على التعليم والاستهلال والاتجاه المتنامي وهي الأبجدية مع مفردة تنطوي على الانتهاء والتفرق والوحشة ألا وهي الموت مع ثالثة هي عاطفة تتضمن الميل والاتصال والأنس والاجتماع والخصب والإثمار؟
إن سياق التركيب يفعل فعله ويعتصر من افتراضات المعجم رحيقا مضافا ودلالة مولدة ويستثمر من مؤجلات المعاني ومعلقاتها ما يمكن أن يند عن العقل المحصي والنظر المدقق. فما الذي حينه النص السردي وجهز به أجواء التأليف ومجاريه حتى التأمت هذه المتنازعات؟
لننظر ما الذي يتولد عن ضم الأبجدية إلى الموت: ليس غريبا ولا بعيدا كون الموت حالة تثير رعب السامع وكل حي، كيف لا وظلالها كافية لتنهي إلى متلقيها حالة حبس الزمن عن الجريان وتوقف كل المرادات والنوايا، أما وأن المفردة تنضم إلى الأبجدية فإنها تنصبغ ببعض مقوماتها، فيصبح للموت قواعد تتعلم وحروفا وأصواتا تتلقى وتحفظ وتؤدى وفق تلك القواعد ليحكم لمستعملها بالصواب أو الحيدة.
هو إذا موت غير الموت، ونهاية غير النهاية بل لنقل هو موت لتبدأ الحياة، الحياة الحقيقية، ونهاية غير النهاية الجسدية المعلومة المكرورة، بل هي نهاية لحياة حقها النهاية لتبدأ حياة أخرى حقها أن تبدأ على أنقاض الأولى، ولذلك سرعان ما نجد هذا المنحى يتأكد حين ينضاف المركب إلى ما يميزه ويوضحه وهو "حبا". نعم هنا نجد المقومات تتضام بصورة أجود وتسوغ هذا اللقاء الصعب والمجاورة المستغربة للوهلة الأولى، فإذا بنا نتفهم كل الفهم ونتشرب بملء الفم والوجدان أن "للموت حبا" طريق على سالكيه معرفة مسالكه ومساربه، لأنه موت يولد الحياة ونهاية تؤسس لبداية وفناء ينتفض من رفاته البقاء، وموت بهذا الخطر يتطلب بالفعل معرفة فنه وسبله، إنه فن الموت لصناعة الحياة وهنا تتضافر بكل سلاسة مقومات: التعلم / الفناء / الإثمار، لأنها مقومات ضرورية لفرد واحد في هذا الوجود والكون الذي شيده نص الرواية إنه: المقاوم.
النص يستكمل عتبات عنوانه
لا نستعجل النص كي يعطينا ثماره قبل أن نبذل في سبيل القطاف ما يطلبه الثمر الطيب، لأن السؤال الذي نحن في مواجهته الآن هو: نتعلم الموت حبا في سبيل ماذا؟ وهنا بالضبط تلوح لنا الإجابة عن العلاقة العضوية والوظيفية بين العنوان كعتبة للنص ومتن النص كامتداد ما لعتباته، فهاهو العنوان في صياغته اللغوية غير مكتمل فـ (أبجدية الموت حبا) تركيب لا يفي بالمطلوب ولا يحسن السكوت عليه كما يقول النحاة حتى يوردنا مقصده وفائدته، ولم نر من المتلفظين بالحب مفصولا عن لواحقه إلا ما تجيزه أعراف العشاق والشعراء، لأن ذكر الحب مع متعلقه هو من الحشو عندهم وتحصيل الحاصل أن تضاف للحب إضافة لأنه أصبح من كثرة استعماله دالا على مضافه عرفا وتداولا وسابقة، أما هنا في مسار السرد فلن نعمم القاعدة ولن نجري عرف العشاق والشعراء فيه، حتى وإن وجدنا في متن النص السردي هذا أجواء العشق غامرة وسوقه عامرة.
وليس هذا التأبي والامتناع إلا لأن التركيب جعل من الحب تمييزا للموت الذي كما رأينا ينمي تيمة الفناء والفراق، فالعتبات إذا تدفعنا راغمين نحو استنطاق النص بل نحو استثماره لاستكمال تركيب العتبات ونفهم المسار الذي تدفع باتجاهه هذه المقومات المسرودة في حديد العنوان وقالبه.
المسارات المتضادة وتوليد الكفاءة
في النص مساران سرديان، مسار الذاكرة ومسار الحاضر، مساران بسيطان من حيث الكثافة السردية، فليس فيه عوالم متداخلة رغم تباعد المسارين زمنيا، فهناك مسار للسارد بضمير "أنا" وهو صوت الحاضر، أو هو صوت المأساة في وجهها الحاضر، ومسار للسارد الثاني بضمير "هي" ولكنه يسرد بضمير "أنا" أيضا فالسارد واحد ولكن بضمير "أنا" الرجل في الحاضر و"أنا" المرأة في الماضي وإن انزلق السارد الحقيقي وأسماها "هي" ليكشف لنا ربما من غير أن يقصد أنه لا سارد إلا واحدا في الحالين، ورغم ذلك فصورة السرد المزدوج قد تحققت وفتحت لنا منفذا للتساؤل عن سر التاريخ المؤنث والذاكرة اللطيفة وعن سر الحاضر المذكر والآن الخشن؟
تأنيث الذاكرة
ألا يؤدي تأنيث الذاكرة إلى تعقيم المخصب كما يؤدي تذكير الحاضر إلى نضوب المستقبل؟ لو كان صوت الأنثى للحاضر وصوت المذكر للماضي ألم يكن ذلك متماشيا مع موت مولد للحياة وفناء ينبثق عنه البدء والولادة؟
لنغلق هذا المنفذ الآن لندلف إلى المسارين ونحاول أن نربط البدايات بالنهايات والمآلات ونصل إلى استكمال تركيب العتبات.
المسار الأول يقوده السارد البطل بصوت "أنا"، صورة شاب وصف نفسه بضعف الذاكرة التي كانت سبب فشله الدراسي، وحين نقول الذاكرة نقول الفشل في التعلم، لأن لكل معرفة أبجديات تحفظ وتلقن، لكن صاحبنا يعزو فشله السابق بهذه الذاكرة العليلة ويربط بها فشلا متوقعا على صعيد العسكرية أيضا.
من المنظور السيميائي يسمى مثل هذا النقص خللا في الكفاءة اللازمة للقيام بالبرنامج المؤدي إلى الاتصال بالموضوع المرغوب. نعم هذا بالفعل ما وصل إليه السارد نفسه، فهو يتوقع الفشل في المهام التي تنتظره بناء على نقص القدرة على تذكر القوانين وطرق استعمال السلاح... إلخ.
في مقابل هذا المسار المليء بالتوقعات السلبية لدينا مسار آخر يتموقع زمنيا في الماضي ولكنه مرتبط فضائيا بالمسار الأول لأنه يتناول الحيز ذاته أي شبه جزيرة الفاو التي كانت مسرحا لمعارك طاحنة بين العراق وإيران، إذا فالمبرر الذي يجمع المسارين واضح على الأقل في تيمة الحرب التي يواجهها الساردان وكذا فضاء إنجاز مهمتيهما.
لكن المسارين متمايزان إلى حد التضاد، وسنرى قيمة التضاد في توليد المعنى وحتى توليد المسارات السردية في النظرية السيميائية التي تشكل بقدر ما خلفية هذا التحليل.
يتمايز مسار "هي" بأنه مسار الرغبة ومسار "أنا" هو مسار الجبر، وهذا مهم جدا في تشكيل كفاءة من يتصدى لإنجاز المهمة، فقد وجدنا السارد يتوقع الفشل في مهمته، فقد دفع إليها دفعا ثم هو منقوص من آلة التحصيل والتعلم، أما "هي" فتحركها رغبة متوارثة منذ عشرات السنين في المسير إلى جبهات القتال كلما تحركت أوصال العراق بالشكوى من معتد أو غاز، ثم هي تتنازع الخروج إلى الجبهة مع والدها في رغبة جامحة إلى السبق بالفداء، بينما نجد مسار "أنا" يظهر الخروج إلى العسكرية ومن ثم إلى الجبهة باعتباره خبرا مفزعا ينتظره الكل كأمر لا مفر منه ومن ثم يوصي الأب ابنه بالصبر والرجولة مظنة أن تظهر على الفتى آثار التردد.
ومع أن الوالد ذو خلفية عسكرية فإن هذا الأمر لم يصب في تكوين كفاءة السارد، بل وسعت من نطاق التناقض بين الواقع والمطلوب، خلاصة الأمر أن مسارين متضادين لبرنامج واحد يشق أحدهما طريقه بين فجاج الذاكرة والتاريخ والثاني يتلوى بصعوبة بين مسامات الحاضر.
لكن لنؤكد أن البرنامج هو نفسه: برنامج القتال أو التحرير أو رد المعتدي، ثم تأتي مرحلة الإنجاز الفعلي والقيام بالمهمة، وعلى التوازي بين المسارين ينتقل "أنا" في لحظة مفاجئة غير منتظرة إلى الجبهة، كما انتقلت على المسار الآخر "هي" إلى الجبهة ولكن عن وعي وإصرار وترصد للعدو وتحين لكل ما يترتب على الأمر من تكاليف وأثمان.
الإنجاز وأبجدية الفداء
وفي الجبهة يجري ما لم يكن في الحسبان، فعلى مسار "أنا" يتم استدراك ما كان ينقص الكفاءة من مواصفات، يستوعب السارد البطل أبجدية الموت في الميدان وهو يرى رجال المقاومة يتساقطون والراية تنتقل من ساعد إلى ساعد ولعلعة الرصاص فوق الرؤوس لا تزيدهم إلا إصرارا على بلوغ حدود الجبهة وإرغام العدو على التراجع إلى حيث بدأ عدوانه.
يتعلم أبجدية إطلاق الرصاص واستعمال السلاح والصبر على السير في الأوحال وتحت ضرب المدافع، ولنقل إن استكمال الكفاءة جاء في أسرع وقت لأن الدوافع والحوافز كانت من الحدة وشدة التوتر ما جعل حساب الزمن غير ذي معنى، ولنربط كل هذا بالمسار الآخر مسار "هي" التي تقف على الجبهة ذاتها في عدوان مماثل وكأن صوت التاريخ وصورته اللذان تجسدا في "هي" لتشكيل الدرس الذي تم استيعابه على الأرض، درس التاريخ ودرس الذاكرة، درسها "هي" لأنها هي: الأرض.
هكذا إذا، الأرض وحدها حركت الذاكرة لتتعلم الدرس، وحركت التاريخ حتى لا تتكرر إلا المسارات المقاومة. وهنا نفهم إبداع التوليفة بين المسارين ولماذا سارا متضادين، بكل بساطة لأن في التضاد يكمن الغرض السردي ذاته، لأن مسار "أنا" يتعلم من مسار "هي"، أي إن مسار الفداء يأخذ من مسار الأرض، فيتولد عنهما المقاوم الكفء القادر على دفع المعتدين.
بقي الآن استكمال عتبات العنوان: فقد رأينا برنامج المقاومة يصل مقاصده، وتولد من درس التاريخ استحياء الهمة والروح، فانقلب الموات حيوية وحماسة واندفاعا، واستدرك تعلم أبجدية القتال الذي كان محل المساءلة والاستنكاف إلى وسيلة الأمن والحياة، لقد فهم الفتى أن في الموت سر الحياة وفي القتال سر الأمن والبقاء فلا مندوحة من مجابهة الظالم إذا أراد المسالم أن يعيش في أمان.
إنها أبجدية الموت حبا للأرض...
كيف تم تعلم كل ذلك؟
لقد تم ذلك بفضل ذاكرة الأرض والوطن، نعم الأرض استنهضت في أهلها نخوتهم وعلمتهم كيف يموتون لتحيا أجيال، والتاريخ مليء بالنماذج وهنا بالضبط يقع معنى توالد الحياة من الموت والبقاء من الفناء ونفهم ألا سبيل إلى تلك العتبات فيكون للموت حبا أبجدية لا تتعلم إلا بأن يكون الحب للأرض.
د. جمال حضري / الجزائر
djhadri@yahoo.fr
أتى هذا النص من مجلة أفق الثقافية
http://www.ofouq.com
عنوان الرابط لهذا النص هو:
http://www.ofouq.com/today/modules.php?name=News&file=article&sid=3166
) عرض رواية جاسم الرصيف ( مزاغل الخوف
د.مــي أحمد
أقضي عدة ساعات يوميا في المكتبة الوطنية للبلد الذي أقيم فيه حاليا , لكنني نادرا ما أزور القسم العربي فيها ... الكتب التي فيه ليست متنوعة بالحد الكافي ولا يدخل أغلبها ضمن قائمة اهتماماتي . لكن مناسبة طيبة حملتني الى ذلك القسم في المكتبة لأجد ثلاثة من روايات الروائي العراقي الكبير الاستاذ جاسم الرصيف والتي سأعرضها بالتتابع .
رواية مزاغل الخوف تقع في كتاب من 317 صفحة من القطع المتوسط ومع ذلك فقد شدتني لدرجة انني أكملت قراءتها في يومين فقط .
أحداثها وكما يقول الروائي تقع في ( أرض خارجة على القانون وبين بشر مطارد يتناهبه القراد ووطن يمشي على قدمين متعاديتين ) ... وهو حقا وصف ينطبق على العراق , كل العراق .
لا أحب الحديث عن نفسي , لكني سأتحدث عن العراق من خلال عيني كشاهدة على الاحداث .
في مرحلة البكالوريوس كان صفي مكونا من 17 طالبا و3 طالبات . وحين وصلت الى مرحلة الماجستير حصد الموت روح زميلتين واحدة حرقا والاخرى في حادث سيارة .. فيما حصدت قادسية صدام ( المجيدة ) أرواح زملائي الشباب ولم تترك إلا واحدا منهم بعد اعفائه من الخدمة العسكرية بسبب تعوقه بانفجار لغم ارضي عليه .
ولا أظن أن تلك بداية مشجعة لرحلة سعيدة مع الحياة حيث تبدأ الشعور بالذنب كونك الناجي الوحيد من تلك المحرقة .
القيادة ( التاريخية الفذة والملهمة ) قامت عام 1982 بمنع السفر على العراقيين فتحول العراق بأجمعه الى سجن كبير ... وحتى تكتمل اللعبة فقد كنت أعمل في مؤسسة ثقافية تعدها ايران من ضمن الاماكن التي ينبغي تدميرها ... لذلك كان علينا التوقيع يوميا في سجل خاص أثناء الدخول الى العمل أو الانصراف منه .. ذات يوم تجرأت وسألت الضابط المسؤول عن هذا السجل عن سبب توقيعنا فقال : من أجل ان نعرف من كان داخل الدائرة اذا تم تفجيرها !! .
اذن ما أسعدني وأنا أوقع يوميا في سجل الخسائر طول فترة الحرب مع أيران !! .
وحتى تأخذ اللعبة أقصى حدودها قامت ليبيا العظمى بتزويد ايران بصواريخ تصل مدياتها الى داخل بغداد ... عندها بدأت حرب دك المدن بالصواريخ ... هل نسيتم تلك الايام ؟
واحد من هذه الصواريخ سقط على بيت صديقتي فقتل ابنها وابنتها اللذين لم انس صورتهما لحد اليوم ... وبعد عدة أشهر سقط آخر على مدرسة بلاط الشهداء فقتل فيمن قتل ... ثلاثة ابناء لزميل لي في الجامعة .
والى ان انتهت الحرب ... كان الحي البغدادي الراقي جدا الذي أسكنه قد تحول ــ والاستعارة من جاسم الرصيف ــ. الى ( حي التنك ) , بعد الدمار الاقتصادي الذي عاناه العراقيون بسبب الحرب .. فتحولت قصور حينها الى ( مجمعات سكنية ) بعد تقسيم كل واحد منها الى ستة أو سبعة بيوت من أجل الاستفادة من ايجاراتها . .
خلال هذه الفترة كنت قد كتبت بحثين جامعيين الاول عن رائعة بول فاليري .. فاوست كما أراه حيث يرسم العمل نقطتين واحدة للخير واخرى للشر ويربطهما بخط وهمي ويحاول فهم آليات ودوافع حركة الانسان على هذا الخط بين نقطتي الخير والشر .
كان وقع الحرب علينا أكبر من قاسي , ويعري في طريقه الكثير من القيم الانسانية الحقيرة التي كانت مستورة في زمان ما قبل الحرب .... وكان هذا هو دافعي لاختيار عمل فاليري لجعله مادة لبحثي
وكان ضغط الحياة شديدا تلك الايام ... لكني انتبهت الى ان الناس صارت تضحك بكثرة وهذا دفعني لكتابة البحث الثاني عن موضوع برغسون: ( رسالة في الضحك ) !! .
برأي برغسون .. الانسان وحده هو الكائن الضاحك ... وضحكه علامة نضج حضاري لاتمتلكها الكائنات الاخرى .. وعنصر المفارقة في أي موضوع سيصيب البشر باختلاجات عضلية تشعرهم بالدغدغة التي يندفع معها الهواء من الرئتين الى الخارج بطريقة ... نطلق عليها تسمية الضحك !! . .
ليس سارا دائما الموضوع الذي يؤدي الى حصول تلك الاختلاجات ... لكن النتيجة دائما هي نفسها : انك تضحك ... أحيانا كثيرة من الالم .. وليس بسبب السعادة أو الفرح !! .
اعترف انني وفي كل حياتي , ضحكت ثلاث مرات داخل مكتبة عامة ... المرة الاولى عند قراءة رواية ( كنديد ) لفولتير ... في الفصل الذي باع فيه النخاس ( كنديد ) الى عجوز عربي لديه اربع زوجات جميلات ... مما حدا بذلك العجوز لبيع كنديد الى فارسي شاذ للانتقام منه بطريقة معاكسة !! .
والمرة الثانية التي جلجلت فيها ضحكاتي في أرجاء المكتبة ... كانت وأنا أقرأ الهراء الذي يسمونه ترجمة كتاب أرسطو ( فن الشعر ) الى العربية على يد القنائي .. الرجل كان سريانيا ولغتاه العربية واليونانية ضعيفتان جدا ... ويحاول ترجمة أرسطو كما يحلو له من اليونانية الى العربية ... ولم أجد نفسي إلا وأنا أقرقع بالضحك حين وصلت الى ترجمته للمصطلح الارسطي ( الإله من الآله) !! .
المرة الثالثة كانت على يد جاسم الرصيف في روايته الرائعة ( مزاغل الخوف ) . فقد قرقعتها ضحكة مجلجلة هزت أركان المكتبة لم استطع معها الا الفرار ركضا الى الخارج ...
ولكن مهلا ... تنبهوا ... فرواية مزاغل الخوف , رواية سادية تقتلكم بدم بارد ... وأداة القتل هي الضحك ... ألم تسمعوا بالموت ضحكا ؟ ... أو الضحك الى حد البكاء ؟ هذه هي رواية جاسم الرصيف.
الاستاذ جاسم الرصيف عراقي من اهل الموصل ومن مواليد 1950 ... وهذا معناه أن قادسية صدام ( المجيدة ) قد شملته بمكارمها شاء أم أبى ... وتركت في نفسه صدى ألمسه في كل تعابيره .
في مزاغل الخوف ... اختارالاستاذ جاسم الرصيف من الحرب تلك الفترة الواقعة في نهاية الحرب العراقية الايرانية مرورا بعامين من العذاب جوعا .. وصولا الى الخازوق الثاني الذي اسمه اجتياح الكويت .
ثيمة الرواية : تقع في ( حي التنك ) بمدينة الموصل .. لكن وانت تقرأ تشعر ان كل العراق كان في حي التنك .
حكومة السيد صدام ( اسمه في الرواية : غمام البين ) قررت ان تستبدل شيوخ العشائر القدماء بشيوخ جدد يقوم بصنعهم المحافظ والقائممقام ودائرة الامن أو المخابرات , الغرض من ذلك جعل العشائر محكومة من قبل شيوخ صنائع للحكومة .
يجلبون واحدا ... مجرد اسمه ... اسمه فقط .. سبة بين الناس ويجعلونه شيخ عشيرة , يستدعى الى القصر الجمهوري لمقابلة السيد الرئيس ... لكنه يقابل عوضا عنه واحدا من السعاة .. ويتسلم مبلغا من المال وسيارة حمراء اللون ... فيعود منتفخا الى الموصل الفيحاء .. ساعيا لتجنيد أبناء حي التنك جنودا في قادسية صدام ( المجيدة ) . هذا الشيخ ... اسمه الشيخ بعيو , بعيو أو بعيوة معناها : حيوان .. بعيو هو الذي لا يعي شيئا .
لديه مساعدان ... هما اولاد عمه : شعيط ومعيط .
فأي مجتمع هذا الذي يدار من قبل بعيو , أو شعيط , أو معيط ؟.
قصة الرواية تذكر بمسرحية برتولد برخت ( السيد بونتيللا وتابعه ماتي ) في أكثر من موقع من مواقعها غير ان الحس العراقي والنكهة العراقية والمأساة العراقية تعطي الرواية طعما ورائحة حادتين جدا لم تتمتع بهما مسرحية برخت .
حبكة الرواية :
ــــــــــــــــــــــــ
اعتمد الاستاذ جاسم الرصيف في ادارة حبكة هذه الرواية على فعلين بينهما قدر من تفاوت القوة , ولكن متعاكسين في الاتجاه ... والصمام الذي تلتقيان عنده والذي سيتم تفجيره عند نهاية الرواية هو ... الشيخ بعيو نفسه .
القوة الاولى هي قوة الحكومة ابتداء من رأس السلطة الذي تسميه الرواية ( السيد الرئيس ) أو ( غمام البين ) وحسبما تقتضي أحداث الرواية .. مرورا بضباط القصر والمخابرات والامن وصولا الى المحافظ والقائممقام ... مرورا بجميع رفاق حزب البعث من أمين السر وصولا الى أصغر الحلقات .
تسعى هذه القوة للسيطرة على القوة الثانية بواسطة أداة تقليدية تعارف المجتمع على احترام قراراتها ... هذه الاداة التقليدية هي شيخ العشيرة . وحيث ان أغلب شيوخ العشائر العراقية لم يتربوا التربية الحزبية الكافية , وبالتالي فحتى بعد اغرائهم بكل الوسائل فلن تتطابق قناعاتهم مع قناعة الحكومة تماما .. لذلك تم اتخاذ قرار تغييرهم .. بامثال بعيو واقرانه .
القوة الثانية والتي هي قوة الحياة وارادة المجتمع لا تقل قدرة وخطورة حتى عن قدرة ( غمام البين ) نفسه , في الوقت الذي يزود القصر الجمهوري الشيخ بعيو بمئات البنادق لتسليح ابناء عشيرته , فان أبناء العشيرة يساعدون شيخهم على تهريب هذه البنادق وبيعها الى البشمركه في الشمال , محولين امل حكومة بغداد الى كارثة عليها .
ويستمر مرجل الغضب بالغليان في العراق الى ان تحل ساعة الخلاص .
لغة الرواية :
ــــــــــــــــــــــ
لغة جاسم الرصيف في كل اعماله لغة رصينة محكمة السبك والصياغة وهذا يشجع اكثر على القراءة له ... كما انه يمتلك القدرة على جعل شخصياته تتحدث بلسانها هي لا بلسان مؤلفها وآرائه .
تتخلل لغته العربية الفصحى الكثير من الكلمات الموصلية الجميلة والمحببة والتي تعطي العمل نكهة قادمة من شمال الوطن .
شخصيات الرواية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما يحصل في بعض الافلام السينمائية اليوم حيث يخلطون الشخصيات الانسانية الحقيقية باخرى كارتونية , كذلك كان خليط شخصيات رواية جاسم الرصيف – مزاغل الخوف .
هل رأيتم فلم ( أليس في بلاد العجائب ) ؟ ... حيث هي وحدها الكائن البشري بينما كائنات بلاد العجائب شخصيات كارتونية من العمالقة أو الاقزام .
كذلك شخصيات مزاغل الخوف شخصيات كارتونية تصور عمالقة أو أقزاما ... وعبقرية جاسم الرصيف في هذه الرواية أنها رسمت لنا صورا لأقزام متعملقين ... وأحيانا صورا لعمالقة مقزمين.
الشخصيات التي انتمت الى الحكومة وكل ما يمت لها من دوائر أو مؤسسات كانت من صنف الاقزام المتعملقين .... في حين الشخصيات التي تنتمي الى عموم المجتمع والتي تبحث عن عالمها المدني ومسراتها الصغيرة ... هم عمالقة قزمهم وقع الحرب وجور السلطة ... وألفت انتباه القراء الى ثلاثة شباب في هذه الرواية اسمهم : اخوة عرنة ,, فهم يستحقون وقفة خاصة لتأمل اسلوب بنائهم المتفرد من قبل جاسم الرصيف .
الشخصية الآدمية الوحيدة في هذه الرواية هي واحدة لكنها باربعة وجوه وأربعة أسماء . نستطيع أن نسميها شخصية الانسان العراقي صاحب المعاناة الحقيقية .
وجهها الاول ... شخصية ستار عجقة ( عجقة : كلمة موصلية معناها عند بقية اهل العراق : خبصة ) هذا الولد الجميل , المتعلم الوحيد في قريته , الذي يقبل بكل ما هو بسيط في سبيل تمشية الحياة بأبسط قناعاتها الشريفة .. لكنه يضطر للعمل كمهرب سلاح بعدما سدت بوجهه كل منافذ العمل الشريف .
ووجهها الثاني ... شخصية ( أنا ) , وهي شخصية رجل , ظلت مجهولة لنا الى أن اكتملت صورة ستار عجقة ، تماما عندها توحدت الصورتان في شخص واحد هو ستار نفسه !! .
( أنا ) .... رجل حدثنا عن أنواع الضرب والتعذيب الذي تلقاه في مركز الامن ، والذي حتى وهو يرويه لنا مجنيا عليه .. يخاف من تعريفنا بأسمه , وكأن قول الاسم مرفقا بتفاصيل التعذيب ستكون دعوة جديدة للجناة لاستكمال ما نسوه في دورة العذاب القديمة ...في دورة لاحقة جديدة ... وأن تخفي اسمك فتلك آلية نتبعها كلنا حين يقع علينا ظلم وجور سلطوي غير قابل للتصديق من هوله وشدته .
وجهها الثالث .... شخصية ونسه خباثة , تلك السيدة العاهرة غصبا عنها صنع عهرها كل من الحكومة الجائرة والمجتمع الجاهزة احكامه المسبقة .. ولم يبق عليها الا ان تواصل دورها هذا لسنين وسنين !! .
وهي العاهرة الوحيدة التي كانت تقبل زبائنها بالدفع الآجل .. فهي لم تمتهن هذا الدور لربح مادي ولا لمتعة جسدية , انما فتحت عينها على الحياة لتجد هذا هو دورها بعد ان غيبت السجون والدها ووالدتها بتهمة التآمر على الوطن حين كانا يعملان فراشين في مدرسة .
وهي تهمة جاهزة كانت الحكومة تلصقها باي عراقي من رتبة وزير نزولا الى أي واحد من فاقدي الاهلية العقلية في مستشفى الامراض العقلية .. مرورا بكل مواطن أو مواطنة .. لا بل ان هذه التهمة شملت حتى المقيمين لمدد قصيرة .
وجهها الرابع ..... شخصية نور الهدى تلك البنت الحلوة التي تشتغل عاملة في أحد المصانع والتي نكتشف بعد سرد مطول لسيرتها ومجهولية اصلها والمكان الذي جاءت منه , انها هي نفسها ونسه خباثة ... أو هكذا يراد لنا ان نتصور .
قوادة حكومية اسمها مي حركات ,, تتعرف على ونسه خباثة وتراها جميلة تريد تقديمها الى واحد من الرؤوس الكبيرة لكن هذا كان يريد واحدة عذراء ... فتأخذ القوادة .. ونسة خباثة الى طبيب لترقيعها .. وتعطيها إسما جديدا هو نور الهدى ثم تدفعها في طريق هذا الراس الكبير ... كي تجني منه القوادة قطعة ارض كبيرة في موقع مهم من المدينة .
هذا المقطع من الرواية قاسي وأراه خادش للحياء .. وما كنت اقبله من جاسم الرصيف لولا قراءتي كتاب ( كنت طبيبا للرئيس ) لمؤلفه علاء بشير , يسجل فيه اعترافاته وهو طبيب صدام الخاص انه كان يقوم للقصر بالكثير من هذه الاعمال . ولمن يهمه الاطلاع على كتاب علاء بشير فهو منشور على الموقع الالكتروني صوت العراق / في خانة الكتب .
لماذا أعتقد أن هذه الشخصيات الأربعة .. هي شخص واحد ؟ ... لأن شخصية الانسان العراقي صاحب المعاناة الحقيقية تنطوي على كل هذا .
ليس هناك فرق بين الرجال والنساء ... الانسان أنسان بغض النظر عن أي شيء وكل شيء .
كلنا كنا ستار عجقة الذي سدت عليه المنافذ ولم يعد بامكانه الاستمرار إلا بان يعمل في أمور خطرة كتهريب السلاح ... أو القبول بوظائف بمنتهى المهانة كالعمل سكرتيرا أو تابعا للشيخ شعيط أ ومعيط .. أولاد عم الشيخ بعيو .
وكلنا عانينا التعذيب الذي عانته ( الشخصية أنا ) في سجن العراق الكبير الذي أقفلوا علينا أبوابه منذ العام 1982
وبغض النظر عما اذا كنا قد وشي بنا لتتم استضافتنا في الامن العامة أوالمخابرات لمدد محدودة او غير محدودة ... أم لا !! . ...
كنا كلنا ماديا أو معنويا , قد تم جلدنا بالاسلاك وضربنا فلقة ... والبعض الاخر كان اوفر حظا في التعرف على آليات تعذيب لم يعرفها أحد غيره تفتقت عنها عقلية الجلاد .
وكنا رجالا ونساء يضيع شرفنا مثل ونسه خباثه بلا حول ولا قوة على دفع ذلك ومقاومته عنا ... وربما صور الاستغلال الجنسي هي من أبسط تبسيطات صور ضياع الشرف ... إلا اذا كنتم تعتقدون أن بإمكان الانسان أن يفعل أي شيء كالغدر والخيانة والوشاية وضياع الامانة الشخصية والكذب الاسود غير المبررويبقى شريفا .. لكن شرفه يعاب فقط عند العبث بمناطق حساسة في جسمه رجلا كان أو امرأة ... خصوصا حين يقع ذلك العبث رغم ارادة المجني عليه وموافقته .
وكنا كلنا نور الهدى ... تلك الادمية التي استغلت حتى بأبشع مما يستغل به الحيوان . من قبل الحكومة او المجتمع !! .
في رواية جاسم الرصيف / مزاغل الخوف / هناك ضحك الى حد البكاء , وبكاء الى حد الضحك ... لذلك لا تقرأها في داخل مكتبة عامة .
أختلف مع الاستاذ جاسم الرصيف حول نهاية الرواية خلافا بسيطا ... فهو يحدد تاريخ اليوم الذي بدأت صليات النار تنطلق باتجاه قصر الشيخ بعيو .... واستعمال كلمة القصر يتسع مداها هنا لتصل الى القصر الجمهوري ... ولتجرد صدام من اسمه ... وتعطيه بدلا عنه اسم : شيخ بعيو , حدد الاستاذ جاسم الرصيف هذا اليوم أنه كان في يوم الجمعة التالي لاجتياح العراق للكويت .
غير اني ارى الامور بمنظار أخر ... ففي زمن صدام .. نادرا ما أطلقنا صلية على قصر صدام ... كنا فقط نتكلم ... ونتحمل كيبلات الضرب ... الى أن دفعناه حفظه الله الى اقرار عقوبة قطع اللسان علها تكون رادعا لنا كي نغلق أفواهنا . ويجب أن نعترف أن صدام لم يسقط بنضالنا .... صدام كان وكيلا امريكيا توجته امريكا حاكما مطلقا فوق رؤوسنا .. وتغاضت له عن كل جرائمه ... حتى تلك الجرائم التي تحاكمه عليها الان !! .
تغاضت له حتى عن اجتياحه للكويت !!.. والقوة الغاشمة التي استعملوها لإخراج الجيش العراقي من الكويت لم تستخدم ضد صدام شخصيا بل ضد الجيش والشعب العراقي .
وخلال المدة بين 1991- 2003 كانت قرارات صدام قد لعبت كرة قدم بالعراقيين ... وكان حصاره هو , أقسى وأشد واشنع علينا من الحصار الامريكي وحصار قرارات الامم المتحدة ... وفي جعبه كل واحد منا مئات الحكايات عن الموت بالمجان ليبقى القائد على كرسي قيادته التاريخية الفذة ... ولم يحرك ذلك شعره لا في رأس ولا في مؤخرة الضمير العالمي أو حقوق الانسان . .
بعد أكثر من اثني عشر عاما من التاريخ الذي حددته رواية الاستاذ جاسم الرصيف موعدا لبدء اطلاق النار على القصر ... انتهى دور صدام عند الامريكان ... وسقطت ورقته فجاء اليانكي المدلل على صهوة دبابته لهدم هيكل ( الوكيل القديم ) صدام ورفع انقاضه .... ولم ينس ( الراكب عالعبية أن يحول ويرتاح شوية ) وأن يحمل لنا على تلك الدبابة مجموعة من الوكلاء الجدد الصغار .. عسى أن يكبر واحدا منهم بعد سنة أو سنتين .. ليكون خير خلف لخير سلف !! .
هؤلاء الوكلاء الجدد يتبارون الآن في وصف انفسهم بالمناضلين والمجاهدين .... اما وانهم جاؤا راكبين على الدبابات الامريكية ... فاقول فيهم قوله الشاعر العراقي مظفر النواب ..... يا أولاد ( .. ) ولا أستثني منهم احدا .
mayahmed2005@hotmail.com
Post a Comment
<< Home